فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً عذراً أو نذراً}
اعلم أن المفسرين ذكروا في هذه الكلمات الخمس وجوهاً:
الأول: أن المراد بأسرها الّرياح ومعنى المرسلات عرفاً الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس، وقيل عرفاً أي كثيراً {فالعاصفات عصفاً} يعني الرّياح الشّديدة الهبوب، {والناشرات نشراً}.
يعني الرياح اللينة.
وقيل هي الرياح التي أرسلها نشراً بين يدي رحمته، وقيل هي الرّياح التي تنشر السحاب، وتأتي بالمطر {فالفارقات فرقاً} يعني الرياح التي تفرق السحاب، وتبدده فالملقيات ذكراً يعني أن الرياح إذا أرسلت عاصفة شديدة قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيرت الآثار.
فيحصل بذلك خوف للعباد في القلوب، فيلجؤون إلى الله تعالى ويذكرونه، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر، والمعرفة في القلوب عند هبوبها.
الوجه الثاني: أن المراد بأسرها الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ومعنى والمرسلات عرفاً.
الملائكة الذين أرسلوا بالمعروف من أمر الله، ونهيه وهذا القول رواية عن ابن مسعود {فالعاصفات عصفاً} يعني الملائكة تعصف في طيرانهم، ونزولهم كعصف الرياح في السرعة، {والناشرات نشراً} يعني أنهم إذا نزلوا إلى الأرض نشروا أجنحتهم، وقيل هم الذين ينشرون الكتب، ودواوين الأعمال يوم القيامة {فالفارقات فرقاً}. قال ابن عباس: يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، {فالملقيات ذكراً} يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء، وقيل يجوز أن يكون الذكر هو القرآن خاصة فعلى هذا يكون الملقى هو جبريل وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم.
الوجه الثالث: أن المراد بأسرها آيات القرآن، ومعنى {المرسلات عرفاً} آيات القرآن المتتابعة في النزول على محمد صلى الله عليه وسلم بكل عرف وخير {فالعاصفات عصفاً} يعني آيات القرآن تعصف القلوب بذكر الوعيد حتى تجعلها كالعصف وهو النبت المتكسر، {والناشرات نشراً} يعني آيات القرآن تنشر أنوار الهداية والمعرفة في قلوب المؤمنين.
{فالفارقات فرقاً} يعني آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل {فالملقيات ذكراً} يعني آيات القرآن هي الذّكر الحكيم الذي يلقى الإيمان والنور في قلوب المؤمنين.
الوجه الرابع: أنه ليس المراد من هذه الكلمات الخمس شيئاً واحداً بعينه فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى: {والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً} الرياح ويكون المراد بقوله: {فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً} الملائكة.
فإن قلت وما المجانسة بين الرياح والملائكة حتى جمع بينهما في القسم قلت الملائكة روحانيون فهم بسبب لطافتهم، وسرعة حركاتهم شابهوا الرياح فحصلت المجانسة بينهما من هذا الوجه فحسن الجمع بينهما في القسم {عذراً أو نذراً} أي للإعذار والإنذار من الله، وقيل عذراً من الله ونذراً منه إلى خلقه، وهذه كلها أقسام وجواب القسم قوله تعالى: {إن ما توعدون} أي من أمر الساعة ومجيئها {لواقع} أي لكائن نازل لا محالة، وقيل معناه إن ما توعدون به من الخير والشر لواقع بكم.
ثم ذكر متى يقع فقال تعالى: {فإذا النجوم طمست} أي محي نورها وقيل محقت {وإذا السماء فرجت} أي شقت وقيل فتحت {وإذا الجبال نسفت} أي قلعت من أماكنها {وإذا الرسل أقتت} وقرئ وقتت بالواو ومعناهما وأحد أي جمعت لميقات يوم معلوم، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم {لأي يوم أجلت} أي أخرت وضرب الأجل لجميعهم كأنه تعالى يعجب لعباده من تعظميم ذلك اليوم، والمعنى جمعت الرسل في ذلك اليوم لتعذيب من كذبهم وتعظيم من آمن بهم، ثم بين ذلك اليوم فقال تعالى: {ليوم الفصل} قال ابن عباس يوم فصل الرحمن فيه بين الخلائق ثم أتبع ذلك تعظيماً وتهويلاً فقال تعالى: {وما أدراك ما يوم الفصل} أي وما أعلمك بيوم الفصل وهو له وشدته {ويل يومئذ للمكذبين} أي بالتوحيد والنبوة والمعاد والبعث والحساب.
قوله تعالى: {ألم نهلك الأولين} يعني الأمم الماضية بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم {ثم نتبعهم الآخرين} يعني السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب، وهم كفار قريش، أي نهلكهم بتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم {كذلك نفعل بالمجرمين} أي إنما نفعل بهم ذلك لكونهم مجرمين {ويل يومئذ للمكذبين ألم نخلقكم من ماء مهين} يعني النطفة {فجعلناه في قرار مكين} يعني الرحم {إلى قدر معلوم} يعني وقت الولادة وهو معلوم لله تعالى لا يعلم ذلك غيره {فقدرنا} قرئ بالتشديد من التقدير، أي قدرنا ذلك تقديراً {فنعم القادرون} أي المقدرون له وقرئ بالتخفيف من القدرة، أي قدرنا على خلقه، وتصويره كيف شئنا فنعم القادرون حيث خلقناه في أحسن صورة وهيئة.
{ويل يومئذ للمكذبين} أي المنكرين للبعث لأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة {ألم نجعل الأرض كفاتاً} يعني وعاء وأصله الضم والجمع {أحياء وأمواتاً} يعني تكفتهم أحياء على ظهرها بمعنى تضمهم في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتاً في بطنها في قبورهم، ولذلك تسمى الأرض أما لأنها تضم الناس كالأم تضم ولدها {وجعلنا فيها} أي في الأرض {رواسي شامخات} يعني جبالاً عاليات {وأسقيناكم ماء فراتاً} يعني عذاباً {ويل يومئذ للمكذبين} يعني أن هذا كله أعجب عن البعث فالقادر عليه قادر على البعث.
قوله: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} يعني يقال للمكذبين بيوم القيامة في الدنيا انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون وهو العذاب ثم فسره بقوله: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} يعني دخان جهنم إذا سطع وارتفع تشعب، وتفرق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدخان العظيم.
فيقال لهم كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب كما يكون أولياء الله تعالى في ظل عرشه، وقيل يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث شعب على رؤوسهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم {لا ظليل} أي إن ذلك الظل لا يظل من حر {ولا يغني من اللهب} أي لا يرد عنهم لهب جهنم والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لا يدفع عنهم حر اللهب {إنها} يعني جهنم {ترمي بشرر} جمع شرارة وهي ما تطاير من النار {كالقصر} يعني كالبناء العظيم ونحوه قيل هي أصول الشجر، والنخل العظام واحدتها قصرة وسئل ابن عباس عن قوله، {ترمي بشرر كالقصر} فقال هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع، وفوق ذلك ودونه وندخرها للشتاء، وكنا نسميها القصر.
{كأنه} يعني الشرر {جمالات} جمع الجمال، وقال ابن عباس: هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الجمال {صفر} جمع أصفر يعني أن لون ذلك الشرر أصفر وأنشد بعضهم:
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم ** بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى

وقيل الصفر هنا معناه الأسود لأنه جاء في الحديث «أن شرر نار جهنم أسود كالقير»، والعرب تسمى سود الإبل صفراً لأنه يشوب سوادها شيء من الصفرة، وقيل هي قطع النحاس، والمعنى أن هذا الشرر يرتفع كأنه شيء مجموع غليظ أصفر.
{ويل يومئذ للمكذبين} قوله: {هذا يوم لا ينطقون} يعني بحجة تنفعهم قيل هذا في بعض مواطن القيامة ومواقفها، وذلك لأن في بعضها يتكلمون وفي بعضها يختصمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} عطف على يؤذن واختير ذلك لأن رؤوس الآي بالنون فلو قال فيتعذروا لم يوافق الآيات، والعرب تستحب وفاق الفواصل كما تستحب وفاق القوافي، والقرآن نزل على ما تستحب العرب من موافقة المقاطع، والمعنى لا يكون إذن واعتذار قال الجنيدي: أي عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه.
فإن قلت قد توهم أن لهم عذراً، ولكن قد منعوا من ذكره.
قلت ليس لهم عذر في الحقيقة لأنه قد تقدم الإعذار والإنذار في الدّنيا فلم يبق لهم عذر في الآخرة، ولكن ربما تخيلوا خيالاً فاسداً أن لهم عذراً فلم يؤذن لهم في ذلك العذر الفاسد {ويل يومئذ للمكذبين} يعني أنه لما تبين إنه لا عذر لهم، ولا حجة فيما أتوا به من الأعمال السيئة، ولا قدرة لهم على دفع العذاب عنهم لا جرم قال في حقهم {ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل} يعني بين أهل الجنة وأهل النار، وقيل هو الفصل بين العباد في الحقوق والمحاكمات {جمعناكم والأولين} يعني مكذبي هذه الأمة والذين كذبوا أنبياءهم من الأمم الماضية.
{فإن كان لكم كيد فكيدون} أي إن كانت لكم حيلة تحتالون بها لأنفسكم فاحتالوا وهم يعلمون أن الحيل يومئذ منقطعة لا تنفع وهذا في نهاية التوبيخ والتقريع فلهذا عقبة بقوله: {ويل يومئذ للمكذبين} قوله: {إن المتقين} أي الذين اتقوا الشرك {في ظلال} جمع ظل وهو ظل الأشجار {وعيون} أي في ظلهم عيون ماء {وفواكه مما يشتهون} أي يتلذذون بها {كلوا واشربوا} أي ويقال لهم كلوا واشربوا، وهذا القول يحتمل أن يكون من جهة الله تعالى بلا واسطة، وما أعظمها من نعمة أو يكون من جهة الملائكة على سبيل الإكرام {هنيئاً} أي خالص اللّذة لا يشوبه تنغيص {بما كنتم تعملون} أي في الدنيا من الطاعات {إنا كذلك نجزي المحسنين} قيل المقصود منه تذكير الكفار ما فاتهم من النعم العظيمة، ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل ذلك الخير العظيم.
{ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون} أي بعد نزول القرآن إذا لم يؤمنوا به فبأي شيء يؤمنون والله أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة المرسلات:
مكية.
وهي خمسون آية.
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً فالملقيات ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً} أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، أو نشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكراً إلى الأنبياء عليهم السلام عذراً للمحقين أو نذراً للمبطلين.
أو أقسم برياح عذاب أرسلهن فعصفن، وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله: {ويجعله كِسَفًا} [الروم: 48] فألقين ذكراً إما عذراً للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها، واما نذراً للذين لا يشكرون وينسبون ذلك إلى الأنواء، وجعلن ملقيات للذكر باعتبار السببية.
{عُرْفاً} حال أي متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضاً، أو مفعول له أي أرسلن للإحسان والمعروف.
و{عَصْفاً} و{نَشْراً} مصدران.
{أَوْ نُذْراً} أبو عمرو وكوفي غير أبي بكر وحماد.
والعذر والنذر مصدران من عذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والشكر.
وانتصابهما على البدل من {ذِكْراً} أو على المفعول له.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة {لَوَاقِعٌ} لكائن نازل لا ريب فيه، وهو جواب القسم ولا وقف إلى هنا لوصل الجواب بالقسم {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} محيت أو ذهب بنورها وجواب {فَإِذَا} محذوف والعامل فيها جوابها وهو وقوع الفصل ونحوه، و{النجوم} فاعل فعل يفسره {طُمِسَتْ} {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} فتحت فكانت أبواباً {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} قلعت من أماكنها {وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} أي وقتت كقراءة أبي عمرو أبدلت الهمزة من الواو، ومعنى توقيت الرسل تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} أخرت وأمهلت، وفيه تعظيم لليوم وتعجيب من هوله والتأجيل من الأجل كالتوقيت من الوقت {لِيَوْمِ الفصل} بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} تعجيب آخر وتعظيم لأمره {وَيْلٌ} مبتدأ وإن كان نكرة لأنه في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه {سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 24] {يَوْمَئِذٍ} ظرفه {لّلْمُكَذِّبِينَ} بذلك اليوم خبره.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} الأمم الخالية المكذبة {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} مستأنف بعد وقف، وهو وعيد لأهل مكة أي ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم.
{كذلك} مثل ذلك الفعل الشنيع {نَفْعَلُ بالمجرمين} بكل من أجرم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بما أوعدنا {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} حقير وهو النطفة {فجعلناه} أي الماء {فِى قرار مَّكِينٍ} مقر يتمكن فيه وهو الرحم ومحل {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} الحال أي مؤخر إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به وهو تسعة أشهر أو ما فوقها أو ما دونها {فَقَدَّرْنَا} فقدرنا ذلك تقديراً {فَنِعْمَ القادرون} فنعم المقدرون له نحن أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن، والأول أحق لقراءة نافع وعلي بالتشديد، ولقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 19] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بنعمة الفطرة.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} هو كفت الشيء إذا ضمه وجمعه وهو اسم ما يكفت كقولهم الضمام لما يضم وبه انتصب {أَحْيَاءً وأمواتا} كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتاً، أو بفعل مضمر يدل عليه {كِفَاتاً} وهو تكفت أي تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها، والتنكير فيهما للتفخيم أي تكفت أحياء لا يعدون وأمواتاً لا يحصرون {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت {شامخات} عاليات {وأسقيناكم مَّاءً فُرَاتاً} عذاباً {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بهذه النعمة {انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ به تُكَذِّبُونَ} أي يقال للكافرين يوم القيامة سيروا إلى النار التي كنتم بها تكذبون {انطلقوا} تكرير للتوكيد {إلى ظِلٍّ} دخان جهنم {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم يتفرق ثلاث فرق {لاَّ ظَلِيلٍ} نعت ظل أي لا مظل من حر ذلك اليوم وحر النار {وَلاَ يُغْنِى} في محل الجر أي وغير مغنٍ لهم {مِنَ اللهب} من حر اللهب شيئاً {إِنَّهَا} أي النار {تَرْمِى بِشَرَرٍ} هو ما تطاير من النار {كالقصر} في العظم.
وقيل: هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة {كَأَنَّهُ جمالت} كوفي غير أبي بكر جمع جمل جمالات غيرهم جمع الجمع {صُفْرٌ} جمع أصفر أي سود تضرب إلى الصفرة، وشبه الشرر بالقصر لعظمه وارتفاعه، وبالجمال للعظم والطول واللون {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بأن هذه صفتها.
{هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} وقرئ بنصب اليوم أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية وعن قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] فقال: في ذلك اليوم مواقف في بعضها يختصمون وفي بعضها لا ينطقون.
أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق.
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ} في الاعتذار {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على {يُؤْذَنُ} منخرط في سلك النفي أي لا يكون لهم إذن واعتذار {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بهذا اليوم {هذا يَوْمُ الفصل} بين المحق والمبطل والمحسن والمسيء بالجزاء {جمعناكم} يا مكذبي محمد {والأولين} والمكذبين قبلكم {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ} حيلة في دفع العذاب {فَكِيدُونِ} فاحتالوا عليّ بتخليص أنفسكم من العذاب.
والكيد متعدٍ تقول: كدت فلاناً إذا احتلت عليه {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بالبعث.
{إِنَّ المتقين} من عذاب الله {فِى ظلال} جمع ظل {وَعُيُونٍ} جارية في الجنة {وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي لذيذة مشتهاة {كُلُواْ واشربوا} في موضع الحال من ضمير {المتقين} في الظرف الذي هو {فِى ظلال} أي هم مستقرون في ظلال مقولاً لهم ذلك {هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} فأحسنوا تجزوا بهذا {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذِّبِينَ} بالجنة {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ} كلام مستأنف خطاب للمكذبين في الدنيا على وجه التهديد كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] {قَلِيلاً} لأن متاع الدنيا قليل {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} كافرون أي إن كل مجرى يأكل ويتمتع أياماً قلائل ثم يبقى في الهلاك الدائم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بالنعم {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} اخشعوا لله وتواضعوا إليه بقبول وحيه واتباع دينه ودعوا هذا الاستكبار {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم، أو إذا قيل لهم صلوا لا يصلون {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بالأمر والنهي {فَبِأَيِّ حديث بَعْدَهُ} بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ} أي إن لم يؤمنوا بالقرآن مع أنه آية مبصرة ومعجزة باهرة من بين الكتب السماوية فبأي كتاب بعده يؤمنون؟! والله أعلم. اهـ.